الأستاذ المربي والتعلم:
لا أحد ينكر أن نجاح التعلم، رهين بكفاءة ونموذجية وقدرة الأستاذ، على القيادة والتدبير والتوجيه، فهو يتصف بكونه مجرب، يصلح ليكون نموذجا يقتدى به، وهو موجه، يقدم نماذج تعليمية وبيانات محددة وواضحة ؛ متى كان ذلك ضروريا.
وهو منشط يخلق ديناميكية معينة، حسب متطلبات الموقف التعلمي، ويساهم في استقلالية المتعلم، ليعتمد على نفسه في استمرار تعلمه، كما ينمي كفاياته بالتدريب والتمرين، ويثير دافعيته للاستزادة والتوسع، وهو موجه، يوجه قدرات المتعلم في الاتجاه الملائم.
وهو خبير، ينجز أنشطته التعليمية بارتياح وكفاءة.
وهو واع ومسؤول بمتطلبات عمله، وحاجيات متعلميه في الحال والمستقبل.
المدرسة كبيئة التعلم:
إن البيئة التعلمية التي هي المدرسة بكل مرافقها، وكذا الوسط الاجتماعي، يشكلان مصادر التعلم المتنوعة، ورغم اختلاف مستويات استغلال هذه البيئة، ومستويات الانفتاح عليها كمحيط اجتماعي، فالاعتقاد قائم بأنها أينما كانت، يمكن أن توفر للمدرسة إمكانيات ميسورة ومتنوعة وشاملة، متى استطاعت المدرسة، أن توطد العلاقة مع ذاتها، ومحيطها ككيان مشترك، يشكلان ضرورة حياتية، لا غنى عنها، عند ذلك ستتمثن الروابط، وتصبح المدرسة مطلباً اجتماعياً، على مقدمة قائمة الأولويات، وسيصبح المناخ التعلمي مناسباً ومريحاً، وغنيا بالفرص التعلمية.
ومن مواصفات البيئة التعلمية الناجحة:
أن تكون بيئة مناسبة ومريحة، وخالية من أي تهديد أو ضجر، وأن تمنح المتعلم الثقة في نفسه.
وأن تكون مجالا للانفتاح العقلي والمعرفي، ومجالا للتشجيع.
أن توفر شروط التعلم، كفضاء غني بمصادر التعلم، وتعطي للمتعلم إمكانيات للنجاح.
أن يتم فيها احترام شخصية المتعلمين، والاعتراف باختلاف مستويات الأداء عندهم، وتنوع ذكاءاتهم.
احترام القاعدة القائلة (أسمع وأنسى، أنظر وأتذكر، أمارس وأفهم).
وبكل تأكيد أصبح واضحا مما تقدم، أن البيداغوجية الفارقية، وما يرتبط بها من ديداكتيك فارقي، لم تعد مجرد نافلة، يمكن ممارستها أو تركها، وإنما حقيقة لا غنى عنها، ليس فقط بالأقسام المشتركة، بل وبالأقسام العادية، التي لا تخلوا من تعدد المستويات والميول والحاجيات...
البيداغوجية الفارقية
وانسجاما مع الرؤية النسقية، التي بنينا على أساسها هذا التصور، المتعلق بكتاب مدرسي نوعي، وتحقيقا لمركزية المتعلم، في العملية التعليمية التعلمية، وتأكيدا على تنوع المستويات والذكاءات والقدرات؛ واستجابة لحاجيات الأقسام المشتركة، والأقسام المتعددة المستويات، مهما بدت شكلا أنها عادية، وذات مستوى وحيد، نقترح مقاربة للبيداغوجية الفارقية، والتي نعتبر أنها أصبحت مطلباً ملحاً، لما ستحققه من تدبير للعمل التربوي، ولما سينجم عنها من تأصيل لتقاليد ديداكتيكية نوعية، وذات مردودية وجودة وفعالية، إضافة إلى ما تقدمه من إمكانيات للتصرف والإبداع، حتى لا يبقى المرجع وصفة جاهزة، تصلح لكل المستويات، دون بذل لأي جهد في إعادة التخطيط، بالإضافة والتعديل أو التغيير، بما يستجيب لمقتضيات تفريد التعليم ومتطلباته؛ ومع البيداغوجية الفارقية يصبح المرجع، عبارة عن مقترح وإمكانية من الإمكانيات، التي تقدم نماذج وخطاطات ليست في كل الأحوال نهاية المطاف.
ومع البيداغوجية الفارقية، يلعب التقويم دورا أساسيا، في التعرف على النتائج، ومستوى نجاح التعلمات، ومواطن القصور والتعثرات... لتحديد مجالات التدخل التعليمي والدعم، بالنسبة لكل مجموعة من المجموعات الفارقية؛ وعلى ضوء نتائجه ينجز التخطيط الديداكتيكي الفارقي، استجابة لتنوع الحاجيات، وتحقيقا لتكافؤ الفرص وهو على وجه العموم، نوع من المرونة والتكييف والتحويل، والإضافة أو التعديل، حيث يتم التعامل مع الوحدة الديداكتيكية من زوايا نظر متنوعة لتتلاءم مع تلك المتطلبات والحاجيات ولخلق توازن بين مستويات القسم الواحد الأمر الذي يخفف من الفوارق وذلك بتنظيم وتدبير التعلمات الفارقية التي تقتضي:
تفريد التعليم، أي تجميع كل مجموعة أفراد متقاربة القدرات والذكاء في مجموعة عمل خاصة.
تحديد مراكز القوة والضعف بالنسبة لكل مجموعة، وتحديد النماذج والأنشطة بالنسبة لها.
أن يتم الاشتغال لاكساب كفايات محددة قد تزيد أو تنقص بالنسبة لكل مجموعة عمل.
أن يساهم التلاميذ في توفير أدوات ومعدات العمل المتاحة والممكنة.
أن يحكم سير عمل المجموعات النظام والمرونة والمواءمة وحسن التصرف، وادخار الجهد.
أن يكتسب المتعلمون روح التعاون والتكامل والمساعدة.
أن يحصل تعاون وانسجام بين الأستاذ ومجموعات القسم لملء الفجوة المعرفية بين المستويات.
الوسائل التعليمية
عرفت الوسائل التعليمية، (تجهيزات ومعدات وأدوات...) تطورات متلاحقة، منذ ظهور الطرائق الفعّالة والحديثة، ولقد أدركت في العقود الأخيرة، مستويات عليا من التقدم والرقي، خصوصاً في ظل نظرية الاتصال ونظم التواصل، إذ أصبحت هذه الوسائل تدعى تكنولوجيا التربية، وتعني "علم تطبيق المعرفة، في الأغراض التعليمية بطريقة منظمة"، ومهما تكن الشروط والأوضاع والإمكانات المتوفرة، فالذي ينبغي معرفته بكل تأكيد، أن الوسائل أصبحت ضرورة من الضروريات، لضمان نجاح أي ممارسة تعليمية وتربوية، على وجه الإطلاق، لأنها جزء لا يتجزأ من الاختيارات البيداغوجية، التي تم اعتمادها.
الوسائل التعليمية وتحسين جودة التعليم والتعلم :
وإذا كانت مدارسنا تعاني من فقر بيِّن في هذه الوسائل، فإن المتوفر منها، غالبا ما لا يستخدم في دروس وحدة اللغة العربية، أو إذا استعمل يكون استعماله شكليا؛ وبخاصة أدوات الإيضاح، من صور ومجسمات ومشاهد، ولوائح وبيانات، وسبورات وبرية وعينات... دون الحديث عن الحاجة الماسة، في تدريس هذه الوحدة، للوسائط التكنولوجية العادية، من تلفاز وفيديو ومسلاط، وعاكس مسلط، وصور ثابتة، (Diapositives) أما إذا أضافنا إلى ذلك الحواسب، والبرامج المعلوماتية ووسائطها المتنوعة، فإن الموضوع سيصير ضربا من الترف الفكري، بالرغم من ضرورته الأكيدة، غير أننا لا نطالب إلا بتوفير المتاح والممكن، واستغلال ما يوجد استغلالا مكثفا ورشيدا.
وباختصار شديد، يمكن أن نلخص أدوار الوسائل التعليمية، في تحسين جودة التعليم والتعلم، فيما يلي:
1- أنها توفر إمكانيات تحفيز، وإيقاظ اهتمامات التلاميذ، وتنمية إدراكهم...
2- أنها تجعلهم يستحضرون خبراتهم السابقة، وتقوي استعدادهم لإغنائها بخبرات جديدة.
3- تمكن مختلف القدرات والذكاءات من نيل حظوظها، باستعمال جميع الحواس، ممّا يرسخ التعلمات ويبقى آثارها.
4- تعطي إمكانيات لتنويع التعلمات، والاستجابة للفارقية في القدرات والذكاءات.
5- تحقق مستوى من النظام والترتيب، في بناء المعرفة وترسيخها.
6- تمكن المتعلمين من بناء معارفهم ومفاهيمهم، بناء واضحاً وملموساً.
7- تسهم في جعل المتعلمين يشاركون بفعالية، ويعمقون خبراتهم، على قاعدة الممارسة.
8- تصحح الكثير من التصورات، والتخمينات والاتجاهات وتعدلها.
9- تسهم في ادخار الجهد.
10- تعزز الفعل التعلمي، وترسخ النجاحات، وتدفع إلى استثمار الجدوى.
11- تجعل (التعليم والتعلم) عملية إنتاجية، ذات جودة تربوية، بتحقيق نتائج قابلة للقياس في علاقة بالكلفة والجهد.
قواعد اختيار الوسائل التعليمية واستخدامها.
يتم اختيار الوسائل (عدة ومواد وأدوات...)، من المتاح والممكن، ولكن على قاعدة:
تحديد الكفايات المراد إكسابها (تحليل، قياس، مقارنة...)، وضبط العمليات من تمارين وتمهيرات، في علاقة بالعدة والمواد والأدوات المستخدمة.
تحديد الأفعال التعليمية، المكونة لتلك الكفايات (بين، استخرج، ابحث عن...) في علاقة بالوسائل المشتغل عليها، وإمكانية ملاحظتها وقياسها كإنجاز وأداء.
معرفة فارقية المتعلمين، (المستوى العمري ونوعية الذكاء ومستويات القدرات) ضمانا لاستخدامات متنوعة وفعالة. ربط الوسيلة بالمنهاج (مضموناً ومنهجية وعلاقات وتقييم...) حتى يتحقق التكامل، بين الوسيلة والمنهاج في شموليته. فقد تكون الوسيلة وثيقة أو مشهد أو معاينة مباشرة (لتشخيص محدد).
ويرتكز التوظيف الجيد، إلى المعرفة بالوسيلة، وكيفية استخدامها، وتجريبها قبل اعتمادها، وتحديد الوقت المناسب للاستعمال، اتقاءً لما قد يترتب عن الارتجال من مفاجآت، قد تنعكس سلبا على كل العمل المستهدف.
تقديم الوسيلة للمتعلمين، وتوجيههم إلى الأهداف المراد تحقيقها من استعمالها، بقصد التتبع أو الإنجاز، مع تنبيههم إلى أن الوسيلة ستساعد في حل المشكلة المطروحة، وتركهم يفكرون في كيفية ذلك.
توفر البيئة المناسبة لاستخدام الوسيلة (إضاءة أو عتمة، مكان العرض المناسب، كهرباء...) حسب احتياجات الاستعمال. وضع الوسائل ضمن سياقات المنهاج والتواصل.
التقويم التكويني والدعم:
ويحتل التقويم التكويني مواقع أساسية في تتبع فعاليات عمليات التعليم تعلم للوقوف على مواطن الخلل في حينه وتوفير ما يحتاجه المتعلمون من دعم، لتمكين المتعثرين، من حسم مشكلاتهم بحلها إيجابيا، وتصفية الصعوبات التي قد تعتور مسارهم التربوي التعليمي، وتتحدد بيداغوجية الدعم في أنها مجموعة عمليات وإجراءات خاصة يمكن اعتمادها داخل القسم في إطار حصصها المخصصة، أو ضمن السياق العام للأنشطة الدراسية، تكاملا مع التقييم التكويني، لمواجهة أي حالة من الحالات السلبية عند حصولها، والتي قد تحدث بفعل (ضعف الانتباه، فرط النشاط، قصور البصر أو السمع، الانطواء...) وكل ما يحول دون تشغيل المتعلم لقدراته الحقيقية، بقصد التوجيه للمعالجة، أو إيقاظ الإرادة وإنهاض الدافعية، ولتمكين المتعلم من اكتشاف الإمكانيات الكامنة فيه، وتوظيفها في استدراك ما فاته.
وتهدف إلى تطوير المردودية وتحسين جودة التعليم لمجموع تلاميذ القسم بإعطائهم جملة من الفرص التي تبعدهم عم موطن النكوص والانطفاء.
وإذا كان التقويم يهدف إلى تحليل الأخطاء، وأسبابها، وتشخيص الصعوبات المتواترة، الخاصة بكل مجموعة، واستثمار نتائج التحليل، في تحديد أنواع الأنشطة، والتمارين الملائمة للعلاج، فإن الدعم يكون بناء وتقنينا تطبيقيا، للأنشطة والعمليات التعليمية التعلمية المتنوعة، والمناسبة لمختلف أنواع الوقاية أو العلاج، التي تسمح للتلاميذ حسب حجم صعوباتهم، باستخدام ما يناسب منها، للحد من مشاكلهم أو معالجتها، حتى لا يسمح بأي فرصة لتراكم هذه الصعوبات بكيفية قد تؤدي إلى الفشل الدراسي.
وضمن هذه الاستراتيجية، يتم ربط الأنشطة التعليمية التعلمية بالتقويم والدعم، بحيث تشكل محطات، يتدرج عبرها مستوى الإتقان المطلوب، من السهل إلى الصعب، ومن البسيط إلى المعقد، ومن المحاولة والخطإ إلى مقدمات النجاح، عبر صيرورة من الارتقاءات المطردة، إذ تضطلع بيداغوجية الدعم بتعزيز التعلمات، لتبلغ كل مجموعة الحد الأدنى المقبول من النجاح، الفردي والمشترك.
وبيداغوجية الدعم، ليست عملية تهتم بالصعوبات، والتعثرات والأخطاء فقط، وإنما تراعي وتيرة التعلم، لدى كل مجموعة من التلاميذ، وبقدر ما تولي عناية خاصة بذوي الصعوبات، فإنها تهتم بالتلاميذ المتوسطين، وبالمتفوقين حسب ما يلائم كل فئة ويغني تجربتها، ويطور أداءها...
وتعتبر هذه الاستراتيجية التقويمية الداعمة، خطة منهجية منفتحة ومتدرجة، بحيث تضع في اعتبارها، مختلف التوقعات والاحتمالات، وهي أيضا انبنائية وارتقائية، يتجلى ذلك في تنظيم وتوالي عملياتها وحصصها، وما تتطلبه من تكرار وترسيخ، وتعطى فيها المبادرة للتلاميذ المتفوقين كل بمجموعته، ليدعموا رفاقهم المتعثرين، وللأستاذ حق الاجتهاد في بناء وتنفيذ استراتيجية التقويم والدعم، لأن حصصها تتطلب المبادرة والابتكار، وهي جملة وتفصيلا تتطلب إعداداً خاصاً، على ضوء تحليل نتائج التقويم، ولذلك فهي ليست بأي حال من الأحوال وصفة جاهزة.
وحتى يتمكن الأستاذ من تشخيص الثغرات الحاصلة في اكتساب الكفايات وأن يتمكن من معالجتها وملئها عن طريق الدعم والمساعدة الديداكتيكية المتكيفة مع كل حالة فردية بالنسبة للمتعثرين، وتعزيز التفوق المعرفي لدى المتقدمين ...تحقيقا للجودة التربوية التي سنفرد لمكوناتها بحثا خاصا. [/center][/size][/size]