يسرح الخيال بعيدا , يفتش في الذاكرة يبحث بين ثنايا الماضي وخبايا الحكاية , يتيه بين الخرافة والحقيقة , فيقف عند كل لقطة كانت واقعا وحاضرا وأصبحت ماضيا منسيا وجزءا من الذاكرة .
ما أكثر الخرافات والحكايات التي عشتها وسمعتها في قريتي الصغيرة الهادئة ولن أستطع سرد كل الحكايات....وما يحضرني الآن بعض اللقطات من حكاية أحمد أونميربطلها شخصية خارقة
كانت تأكل الصبية الصغار ولا تترك منهم سوى الأقدام,سمعت هذه الحكاية من أمي التي كانت ترويها لنا فترة القيلولة حتى لا نغادر المنزل ونزعجها في قيلولتها, فكنا نسمع حتى ننام بجانبها
حكاية عائشة قنديشة المرأة الحسناء التي يفتن الرجال بجمالها وكانت تأكل كل من انجرف وراء جمالها الفتان إلا أنها كانت تخاف من شيء واحد هو اشتعال النار أمامها والغريب في الأمر كنا نسمع عن رجال يسكنون القرى المجاورة اعترضت سبيلهم المرأة الفاتنة ونجوا منها بحرق عمائمهم بعد اكتشاف شيء يميزها عن النساء هو أقدامها التي تشبه قوائم الجمل وهذا يتطلب ضبط النفس لمفاجئتها بالنار والنجاة من هلاكها.
تغنجة ليست خرافة تحكى بل واقعا معاش , كانت تمثيلية رائعة تشخصها نساء القرية أيام انقطاع الغيث عن قريتي وتغنجة اسم أمازيغي للمغرفة الخشبية ولا أعرف هل ألاسم أمازيغي أم عربي أشتق من كلمة الغنج بمعنى الدلال , كنا نسمع عن هذا الكرنفال أسبوعا قبل التنظيم. تجتمع نساء القرية عند رئيستهم يزينون مغرفة بأجمل الملابس والحلي فتصبح امرأة حسناء ذات جمال فاتن تحمل وسط الزغاريد والأهازيج , كانت تعجبني تلك المومياء أتخيلها عروسا تزف ليلة الزفاف لعريس ينتظرها بشوق ولهفة الكل ينظر إليها وقلوبنا كلها أمل في سقوط قطرة ماء لتروي حقولنا الجافة كنا نردد مقطعا يعتبر لازمة متكررة لمسرحيتنا : تغنجة تغنجة يارب تجيب الشتاء كانت حناجرنا تجف كجفاف سهولنا نقف عند كل باب نطرقه ننتظر هدية لعروسنا .
في نهاية الجولة تبدأ المأساة تتجه النساء ناحية الوادي لتقذف العروس أو تغنجة في الماء عارية بعد تجريدها من ملابسها وحليها وننتظر اختبار الماء للجسد النحيل إذا انساب مع الماء وجرفته بعيدا ارتفعت الزغاريد مبشرة بقدوم سنة ممطرة وحلول عام الخيرات والويل كل الويل إذا توقف الجسد النحيل في الماء فتبشرنا العجائز بالجفاف والقحط وناذرا ما كان يحصل مثل هذا الشؤم , فكنا نعد أسبوعا واحدا لتبدأ علامات قدوم المطر فهل هي صدفة ؟ أم حلول فصل الشتاء الذي كنا لا نعرف وقته ؟ أم حسن نية نسوة القرية أم تقديم قربان تغنجة هدية للوادي ؟
كل هذه الخرافات والحكايات التي سمعتها وعشت البعض منها في طفولتي كونت لذي فلما من الرعب والخوف رغم أن النص والسيناريو من الكذب لكن تقنية الإخراج جعلته جزءا من ذاكرتي