sarabital315 مدير المنتدى
المساهمات : 122 تاريخ التسجيل : 20/11/2007 العمر : 65
| موضوع: نزاع الصحراء المغربية والشرعية الدولية 6 السبت نوفمبر 24, 2007 8:52 am | |
| الفقرة الثانية : البيعات الشرعية كأداة لترسيخ مغربية الصحراء
البيعة هي الصفقة على إيجاب البيع وعلى المبايعة والطاعة، والبيعة والمبايعة هي الطاعة نفسها، يقال تبايعوا على الأمر أي أصفقوا عليه، وبايعه على الأمر أي عاهده. والمبايعة هي المعاهدة والمعاقدة ، كأن كلا من الطرفين باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره. وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له(65). وقد عرفها ابن خلدون بأنها العهد على الطاعة ، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر .. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد ، وأما البيعة المشهورة لهذا العهد فهي تحية الملوك الكسروية من تقبيل الأرض أو اليد أو الرجل أو الذيل ، أطلق عليها اسم البيعة التي هي العهد على الطاعة مجازا لما كان هذا الخضوع في التحية والتزام الآداب من لوازم الطاعة وتوابعها (66). وبخلاف طقوس البيعة التقليدية في الإسلام ، نجد جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، في خطابه الموجه إلى الأمة في 16 أكتوبر 1975 المعلن عن تنظيم المسيرة الخضراء ، يضع مسألة كتابة البيعة في مقدمة المميزات التي تطبع هذه الأخيرة في المغرب، ذلك أن المغرب هو : " ..الدولة الوحيدة التي لم تكتف بالبيعة الشفوية بل ما ثبت في تاريخ المغرب وفي أي دولة مغربية أنه وقعت بيعة شفوية بل كانت دائما بيعة مكتوبة..". أما المعنى الفقهي السائد لمفهوم البيعة فيذهب إلى تعريفها بأنها العهد الذي يأخذه الإمام تجاه أفراد الأمة بأن يقوم بأمرهم وأمر دينهم حسب ما يفرضه كتاب الله وسنة نبيه، ويأخذ بمقتضاه عليهم أن يساندوه ويقفوا بجانبه فيما أمر الله به ليكون قويا إزاء الظالم حتى يأخذ الحق منه، وضعيفا أمام المظلوم حتى يأخذ الحق له (67).
إن ربط فكرة البيعة بالولاء والطاعة يجعل من هذه الأخيرة لا تخرج عن إطار المفهوم الغربي "allégeance " ذات البعد السياسي المدني فقط ، أما بالنسبة إلى البيعة في المفهوم الشرعي الإسلامي فلها عدة أبعاد أكثر عمقا من البعد السياسي ، ولعل أخطرها وأهمها البعد الذي يلتقي فيه السياسي بالشرعي الذي تخرجت عنه الدولة الإسلامية الأولى على عهد رسول الإسلام (ص) والذي طبعها وميزها عن نظيراتها في العالم باقتران السياسي بالشرعي ، كما أن هذا البعد هو الذي كان وراء إقامة الدولة المغربية عند كل بداية أسرية من بداياتها . و لما كانت البيعة في الإسلام بهذا البعد ، فلا يسعنا إلا أن نؤكد على أهمية عنصر الأرض بالنسبة إلى البيعة ، لأن إقامة أية دولة و في أية حقبة لا يمكن أن تتم بمعزل عن هذا العنصر الأساسي ، كما أن منح البيعة يصير دون معنى في غياب هذا العنصر الحساس. ففي التاريخ الإسلامي عامة وتاريخ المغرب خاصة، كانت البيعة دائما مقرونة بالأرض ، فلم نقرأ أبدا عن بيعة مجردة عن اسم الإقليم الذي صدرت عنــه ، وإنما نقرأ دائما بالبيعة مقرونة باسم الإقليم أو القبيلة التي بايعت ، لان البيعة وكما أكدنا سابقا ليست مجرد عهد على الطاعة بل إنها بيعة على الأرض التي تعتبر من ثوابت الدولة الإسلامية ومن عناصر استمراريتها كأي دولة من دول العالم القديم أو الحديث. وبناء على ذلك يعبر اقتران البيعة باسم البلدة أو الإقليم الذي يعطيها عن دخول هذا الإقليم المبايع للسلطان ضمن الحوزة الترابية التي يحكمها، وهكذا تصير بيعتها في عنقه بمعنى أن أرض الإقليم الذي بايع سكانه تطالب السلطان بالدفاع عنه في حالة وجود خطر خارجي يتهدده. وماذا يعني أيضا أن البيعة في المغرب لم تكن أبدا شفوية بل كانت مكتوبة ، إن لم يكن ذلك تأكيدا خطيا على اقتران البيعة بعنصر الإقليم، وهل بالإمكان كذلك اعتبار ارتباط البيعة بالأرض السبب الرئيسي والدافع الحقيقي وراء كتابة البيعة ، فالوثائق التاريخية كثيرة بهذه البيعات التي أعطيت للسلاطين والتي كانت تأتي مكتوبة باسم القبيلة أو البلدة التي أعطت البيعة (بيعة فاس، بيعة الداخلة...) (68).
فالبيعة إذن هي الركن الأساسي للدولة المغربية، وقد ظلت رمز إنقاذ للوحدة ولجمع كلمة الأمة ولإخراج البلاد من هوة التخلف ، وللوقوف في وجه المحاولات الأجنبية ولبسط نفوذ ألوية الأمن على سائر ربوع المملكة ، وهذا ما جعل جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني يؤكد أن ممارسة البيعة عنصر جوهري في النظام الملكي المغربي ليس على المستوى الدستوري ، بل على المستوى المؤسساتي، فنص البيعة يبارك ويزكي الخليفة ، كما أن البيعة كانت دوما بمثابة تلك الآصرة التي تربط بين الملك من جهة وبين رعاياه من جهة أخرى .
وتعتبر البيعة عقدا شرعيا يلزم الرعية بالطاعة والإخلاص للسلطان، الذي يصبح بذلك مسؤولا بالدرجة الأولى عن حماية شؤون المواطنين المبايعين والدفاع عن حوزة البلاد التي يسكنونها، وبذلك تتحقق سيادته الكاملة عليها، وشمول سلطته لجميع أطرافها بالممارسة والمزاولة ، وقد كان هذا هو الأمر بالنسبة إلى جميع الأطراف المملكة المغربية ، ومن ضمنها إقليم الصحراء ، وحتى في الوقت الذي جزأ فيه الاستعمار أطراف البلاد ، بقيت بيعة السكان قائمة في الشمال والجنوب ، تتمثل أساسا في الدعاء للسلطان على المنابر في أيام الجمعة والأعياد تأكيدا لهذه البيعة.
وهناك ملاحظة جديرة بالاعتبار ، وهي أن جميع المعاهدات الدولية المتعلقة بالمغرب، والمبرمة قبل الحماية قد نصت على وجوب احترام "سيادة السلطان الكاملة وتمام إيالاته"، ذلك أن سيادة المغرب الترابية تتمثل – حسب الأعراف والتقاليد السياسية المغربية – في العاهل الذي هو المؤتمن عليها.
وقد كانت البيعة الشرعية بمثابة وثيقة قانونية يؤكد فيها المواطنون، بواسطة ممثليهم، ولاءهم للعاهل واعترافهم بشمول سيادته (أي سلطانه الفعلي) على مجموع أراضي مملكته، ولما كانت الوثائق قد أثبتت رعوية قبائل الصحراء الغربية لملوك المغرب عن طريق البيعة التي هي ، باعتراف محكمة العدل الدوليـة،
رباط قانوني أي تترتب عنه حقوق وواجبات، فإن هذه البيعة إنما تؤكد شمول سيادة ملك المغرب للصحراء، أي وجود روابط السيادة الإقليمية التي كان من مظاهرها التزام السلطان دوليا – أي بواسطة المعاهدات – بكل ما يترتب عن هذه السيادة من الدفاع عن الحوزة وحماية رعايا الدول الأجنبية الموجودين فوق تراب المملكة (69). إن مبايعة سكان الصحراء للملوك العلويين لم يكن المراد منه الاعتراف بحكمهم أو الولاء والطاعة لهم فقط، بل إنه اعتراف يجعل من الصحراء أرضا مغربية على السلطان حمايتها والدفاع عنها من الأطماع الأجنبية، وهذا ما يؤكده تاريخ المغرب، كما أن تعيين الأقاليم بأسمائها وتوقيعات رؤسائها في البيعة التي ترفع إلى سلاطين المغرب يمكننا من التعرف على حدود الدولة ، وبالتالي امتداد أرض المملكة وحدودها فضلا عن معرفة الأراضي التابعة أو الخارجة عن نفوذها (70). ومن بين البيعات الشرعية للقبائل الصحراوية، والتي كان لها ارتباط وثيق بالملوك والسلاطين المغاربة، نذكر البيعات التالية على سبيل المثال كنماذج للبيعات الشرعية المتعددة التي ظلت تتوارد على سلاطين المغرب من القبائل الصحراوية منذ قيام الدولة المغربية(71) : 1- بيعة قبائل أهل الساحل والقبلة ودليم وبربوش والنغافرة ووادي مطاع وجرار وغيرهم ، للمولى إسماعيل ، وكان ذلك سنة 1089 ه عندما غزا صحراء السوس ، فبلغ أقا وطاطا وتيشيت وشنجيط وتخوم السودان، وقد تزوج آنذاك المولى إسماعيل الحرة خناثة بنت الشيخ بكار المغفري. 2- بيعة أهل توات للسلطان عبد الملك بن مولاي إسماعيل سنة 1140ه / 1728م. 3- بيعة للسلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام بمبادرة أحد الشيوخ الأعلام من صحراء شنكيط، وهو ابن طوير الجنة الطالب احمد المصطفى الشنكيطي التشيني الوداني. 4- بيعة لمولاي عبد الرحمان أيضا من الشيخ المختار الكنتي الحفيد ابن محمد بن المختار. 5- بيعة لمولاي عبد الرحمان أيضا للشيخ احمد البكاي بن محمد بن المختار الكنتي.
6- بيعة للسلطان محمد الرابع من إمام تندوف الشيخ محمد المختار ابن الأعمش الجنكي، وفيها يعلن عن بيعة الإقليم للسلطان العلوي محمد الرابع. 7- بيعات الشيخ ماء العينين إلى السلاطين المغاربة، والذي كانت علاقاته بالحكومة الشريفة على أحسن وجه، ذلك أنه كان يعتبر فيما بين سنتي 1888 و1900 نائبا للمخزن في الصحراء لا فرق بينه وبين نواب السلطان في مراكش ومكناس وتافيلالت. وفي سنة 1887 دأب السلطان مولاي الحسن الأول على مقابلته في مدينة مراكش. وفي سنة 1896 مثل بين يدي السلطان مولاي عبد العزيز الذي استقبله بما يليق به من التحية والاحترام، وقد حمل معه طاعة أهل الصحراء وتعلقهم ، مما جعل السلطان يكافئ رعاياه الصحراويين على ذلك بإزالة الضريبة عنهم وإعفائهم من الواجبات المعلومة للمخزن التي كانت توفرها على ظهور الإبل وتسلم للنائب السلطاني في مراكش . وهكذا نلاحظ مدى ارتباط هذا الشيخ الذي يعتبر من بين الشخصيات الهامة والبارزة في الصحراء بالملوك العلويين، حيث اتصل أولا بالمولى عبد الرحمان بن هشام، ثم بابنه محمد الرابع، ثم بالحسن الأول ، ثم بالمولى عبد العزيز ، ثم بالمولى عبد الحفيظ، مما يجعلنا نؤمن بمدى العلاقات التي تجعل الطرفين يرتبطان ارتباطا عميقا، الشيء الذي يدحض كثيرا من الأقاويل المفتعلة ضد السيادة المغربية على صحرائها. أما عن البيعات التي صدرت بعد استرجاع الصحراء ، فقد كانت تحترم كافة العناصر المغربية الإسلامية المميزة للبيعة في المغرب، فالبيعة التي بعث بها رئيس الجماعة الصحراوية السيد خطري ولد سيدي سعيد الجماني إلى ملك المغرب يوم 2 نونبر 1975 من "لاس بالماس" تقدم كافة العناصر التقليدية من التقاء الأيدي والآية العاشرة من سورة النصر.. ولكن نظرا إلى أن الأمر يتعلق هنا بتجديد للبيعة، فسنجد التأكيد على التشبث بالعهود التي قامت بين الأسلاف ، يقول السيد خطري الجماني: " لقد شرفتني يا مولاي بخطابكم السامي وأذنتم لشخصي الضعيف للمثول بين يدي جلالتكم بمراكش عاصمة الجنوب بتجديد البيعـة
وتأكيد العهود التي كانت تربط بين أجدادكم المنعمين وبين خدامهم من آبائنا وأجدادنا .. مولاي ، إنني أبايعك وأعاهدك كما بايع وعاهد أجدادي أجدادك المنعمين...". ومن جهة أخرى نجد أن البيعة التي بعثها سكان الداخلة ووادي الذهب المؤرخة في 13 غشت 1979 والمحررة من قبل قاضي المنطقة السيد حبيب الله بن أبوه والتي وقعها ممثلون عن مختلف القبائل الصحراوية، تركز اهتمامها على ملك المغرب كضامن للسلام (72) ، فمنذ السطور الأولى لنص هذه البيعة سنلاحظ هذا الانشغال ، فالوثيقة تبتدئ بحمد الله "الذي نظم بالخلافة شمل الدين وصان بها الدماء والأموال والأعراض وغل بها أيدي الجبابرة عن مفاسد الأعراض" ، ثم تتابع في هذا السياق لتؤكد على ضرورة إيجاد من يحكم البلاد عندما تقول " وقال الرسول (ص) إذا مررتم بأرض ليس فيها سلطان فلا تدخلوها، إنما السلطان ظل الله ورمحه في الأرض" ثم تؤكد على لزوم تقديم البيعة ، قال الرسول (ص) : " من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية". هكذا نجد إذن أن لهذه البيعة المجددة مبرراتها التي تندرج في إطار التعاقد الأولي الذي يقدم الحاكم حمايته للمحكوم، على أساس مبايعة هذا الأخير له (73). فالبيعة بهذا المفهوم تفيد معنى من معاني السيادة السياسية والقانونية ، كما أنها أحد الأسس الجوهرية لنظام الحكم بالمغرب ، ذلك أن كل الدول المتعاقبة في المغرب قامت على أساس البيعة الشرعية ومن تم كانت الصحراء المغربية، وبعد أن أثبتت محكمة العدل الدولية وجود روابط بيعة بينها وبين المملكة المغربية، جزءا لا يتجزأ من مناطق نفوذ السيادة المغربية، كما هو الشأن بالنسبة لأي إقليم من أقاليم المملكة (74). ومما تجذر الإشارة إليه ، الدور الفاعل لعلماء الصحراء المغربية في توثيق روابط البيعة والحض على القيام بواجب الطاعة والتمسك بالبيعة الشرعية للملوك العلويين (75)، وهكذا يؤكد ارتباط الإقليم الصحراوي بالدولة المغربية ارتباطا ثابتا وراسخا وسياديا، يواكب الارتباط الدائم المتصل لقبائله بالسلاطين المغاربة عبر عقود البيعات الشرعية المتوالية والمتجددة. | |
|